فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{واحفظوا أيمانكم} فيه وجهان:
الأول: المراد منه قللوا الأيمان ولا تكثروا منها قال كثير:
قَليلُ الألا يا حافظٌ ليمينه ** وإن سبقت منه الأَليَّةُ بَرَّتِ

فدل قوله: «وإن سبقت منه الألية» على أن قوله: «حافظ ليمينه» وصف منه له بأنه لا يحلف.
الثاني: واحفظوا أيمانكم إذا حلفتم عن الحنث لئلا تحتاجوا إلى التفكير، واللفظ محتمل للوجهين، إلا أن على هذا التقدير يكون مخصوصًا بقوله عليه السلام: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وعقّب الترخيص الذي رخّصه الله للنّاس في عدم المؤاخذة بأيمان اللغو فقال: {واحفظوا أيمانكم}.
فأمر بتوخّي البرّ إذا لم يكن فيه حرج ولا ضُرّ بالغير، لأنّ في البرّ تعظيم اسم الله تعالى.
فقد ذكرنا في سورة البقرة أنّهم جرى معتادهم بأنّ يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه لئلاّ يندموا عن عزمهم، فكان في قوله: {واحفظوا أيمانكم} زجر لهم عن تلك العادة السخيفة.
وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف لئلاّ يعرّض الحالف نفسه للحنث.
والكفّارة ما هي إلاّ خروج من الإثم.
وقد قال تعالى لأيّوب عليه السلام: {وخُذ بيدك ضِغثًا فاضرب به ولا تحنَث} [ص: 44].
فنزّهه عن الحنث بفتوى خصّه بها. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {كذلك يُبَيّنُ الله لَكُمْ ءاياته لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
المعنى ظاهر، والكلام في لفظ لعلّ تقدم مرارًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {كذلك يبيّن الله لكم آياته} تذييل.
ومعنى {كذلك} كهذا البيان يبيّن الله، فتلك عادة شرعه أن يكون بيّنًا، وقد تقدّم القول في نظيره في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا} في سورة البقرة (143).
وتقدّم القول في معنى {لعلّكم تشكرون} عند قوله تعالى: {يا أيّها الناس اعبدوا ربّكم} في سورة البقرة (21). اهـ.

.قال ابن القيم:

حلف في أكثرَ من ثمانين موضعًا، وأمره اللهُ سبحانه بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبّيَ إِنّهُ لَحَقّ} [يونس: 53] قال تعالى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتَأْتِيَنّكُمْ} [سبأ: 3] وقال تعالى: {زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكِر أبا بكر محمد بن داود الظاهري، ولا يُسميه بالفقيه، فتحاكم إليه يومًا هو وخصمٌ له، فتوجهت اليمينُ على أبي بكر بن داود، فتهيأ للحلف، فقال له القاضي إسماعيل: أو تحلِفُ ومثلُك يحلف يا أبا بكر؟! فقال: وما يمنعني من الحلِف وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلِف في ثلاثة مواضع من كتابه، قال: أين ذلك؟ فسردها له أبو بكر، فاستحسن ذلك منه جدًا، ودعاه بالفقيه مِن ذلك اليوم.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَستثني في يمينه تارة، ويكفِّرها تارةً، ويمضي فيها تارةً، والاستثناء يمنع عقد اليمين، والكفارة تَحُلهَا بعد عقدها، ولهذا سماها الله تَحِلَّة. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: ليس التشديد والتعقيد من شأن أهل التوحيد، إنما شأنهم الاسترسال مع ما يبرز من عنصر القدرة، ليس لهم وقت دون الوقت الذي هم فيه، قد حلّ التوحيد عُقدهم ودكّ عزائمهم، فهم في عموم أوقاتهم لا يدبرون ولا يختارون، وإن وقع منهم تدبير أو اختيار رجعوا إلى ما يفعل الواحد القهار، لا يبطشون إلى شيء ولا يهربون من شيء، إلا إن كان فيه مخالفة للشرع.
ولا يعقدون على ترك شيء من المباحات ولا على فعله، لأنهم لا يرون لأنفسهم فعلًا ولا تركًا، إن صدرت منهم طاعة شهدوا المنّة لله، وإن وقعت منهم زلّة أو غفلة تأدبوا مع الله، وبادروا بالتوبة إلى الله، وما صدر من الصحابة رضوان الله عليهم فلعل ذلك كان حالًا غالبة عليهم، قد أزعجهم وعظ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهضهم حاله، فلما رآهم غلب عليهم الحال ردّهم إلى حال الاعتدال، ولعل الحق جل جلاله، إنما جعل كفّارة اليمين جبرًا لخلل ذلك التعقيد، الذي صدر من الحالف مع تفريطه بالحنث، فكأنه حلف على فعل غيره، ففيه نوع من التألي على الله. والله تعالى أعلم. اهـ.
فصل في حكم الآية:
وفيه مسائل:

.قال الخازن:

المسألة الأولى: في بيان الكفارة وهي أربعة أنواع:
النوع الأول: من الكفارة الإطعام فيجب إطعام عشرة مساكين واختلفوا في قدر ما يطعم لكل مسكين فذهب قوم إلى أنه يطعم لكل مسكين مد من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهو رطل وثلث بالبغدادي من غالب قوت البلد وكذلك سائر الكفارات وهذا قول ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وعطاء والحسن وإليه ذهب مالك والشافعي ويروى عن عمر وعلي وعائشة أنه يطعم لكل مسكين مدان من بر وهو نصف صاع وبه قال أهل العراق.
وقال أبو حنيفة: إن أطعم من الحنطة فنصف صاع وإن أطعم من غيرها فصاع وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد.
وقال أحمد بن حنبل: يطعم لكل مسكين مد من البر أو نصف صاع من غيرها مثل التمر والشعير: ومن شرط الإطعام تمليك الطعام للمساكين فلو عشاهم وغداهم لم يجزه وقال أبو حنيفة: يجزيه ذلك ولا يجوز إخراج القيمة في الكفارة كالدراهم والدنانير: وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك ولا إخراج الدقيق والخبز في الكفارة بل يجب إخراج الحب، وجوَّزه أبو حنيفة ولا يجوز صرف الكل إلى مسكين واحد في عشرة أيام.
النوع الثاني: من الكفارات الكسوة واختلف العلماء في قدرها فذهب قوم إلى أنه يكسو كل مسكين ثوبًا واحدًا مما يقع عليه اسم الكسوة إزار أو رداء أو قميص أو عمامة أو سراويل أو كساء ونحو ذلك وهذا قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس وإليه ذهب الشافعي.
وقال مالك: يجب أن يكسو كل مسكين ما تجوز به الصلاة فيكسو الرجل ثوبًا والمرأة ثوبين درعًا وخمارًا.
وقال أحمد: للرجال ثوبًا وللمرأة ثوبين درعًا وخمارًا وهو أدنى ما يجزى في الصلاة وقال ابن عمر: يجب قميص وإزار ورداء.
وقال أبو موسى الأشعري: يجب ثوبان وهو قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وقال إبراهيم النخعي: يجب ثوب جامع كالملحفة.
النوع الثالث: من الكفارات العتق فيجب إعتاق رقبة مؤمنة وكذلك يجب في جميع الكفارات وأجاز أبو حنيفة والثوري إعتاق الرقبة الكافرة في جميع الكفارات إلا كفارة القتل فإن الله قيد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل ومذهب الشافعي أن المطلق يحمل على المقيد ولا يجوز إعتاق المرتد في الكفارات بالإجماع ويشترط أن تكون الرقبة سليمة الرق حتى لو أعتق في الكفارة مكاتبًا أو أم ولد أو عبدًا اشتراه بشرط العتق أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه فكل هؤلاء لا يجزى في إعتاق الكفارة وجوز أصحاب الرأي عتق المكاتب في الكفارة إذا لم يؤد من نجوم الكتابة شيئًا وجوزوا عتق القريب في الكفارة ويشترط أن تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل فلا يجزى مقطوع اليد أو الرجل ولا الأعمى ولا الزمن ولا المجنون المطبق ويجوز عتق الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب كلها لا تضر بالعمل وعند أبي حنيفة كل عيب يفوت جنسًا من المنفعة يمنع الجواز فيجوز عتق مقطوع إحدى اليدين ولا يجوز عتق مقطوع الأذنين في الكفارة.
النوع الرابع: من الكفارات الصوم وهو قوله تعالى: {فمن لم يجد} يعني الكفارة {فصيام ثلاثة أيام} يعني فإذا عجز من لزمته كفارة اليمين عن الإطعام أو الكسوة أو العتق وجب عليه صيام ثلاثة أيام وهو قوله تعالى: {فصيام ثلاثة أيام}، يعني فعليه صيام ثلاثة أيام.
قال الشافعي: إذا كان عنده قوته أو قوت عياله يومه وليلته وفضل ما يطعم عشرة مساكين لزمته الكفارة بالإطعام وإن لم يكن عنده هذا القدر جاز له الصيام.
وقال أبو حنيفة: يجوز له الصيام إذا لم يكن عنده من المال ما تجب فيه الزكاة فجعل من لا زكاة عليه عادمًا.
وقال الحسن: إذا لم يجد درهمين صام.
وقال سعيد بن جبير: ثلاثة دراهم.
واختلفوا في وجوب التتابع في الصيام عن كفارة اليمين على قولين: أحدهما: أنه يجب التتابع فيه قياسًا على كفارة الظهار والقتل وهو قول ابن عباس ومجاهد وطاوس وعطاء وقتادة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وأحد قولي الشافعي والقول الثاني: لا يجب التتابع في كفارة اليمين فإن شاء تابع وإن شاء فرق والتتابع أفضل وبه قال الحسن ومالك وهذا القول الثاني للشافعي.
المسألة الثانية: كلمة أو للتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق فإن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق فبأيها أخذ المكفر فقد أصاب وخرج عن العهدة.
المسألة الثالثة: لا يجوز صرف شيء من الكفارات إلا إلى مسلم حر محتاج فلو صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجزيه.
وجوز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة واتفقوا على أن صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز.
المسألة الرابعة: اختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث فذهب قوم إلى جوازه لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمينه فرأى خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» أخرجه الترميذي (ق) عن عبد الرحمن بن سمرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبد الرحمن لا تسأل الأمارة فإنها إن أتتك عن مسألة وكلت إليها وإن أتتك من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفِّر عن يمينك» وهذا قول عمر وابن عباس وعائشة وعامة الفقهاء وبه قال الحسن وابن سيرين وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي.
إلا أن الشافعي قال: إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني إنما يجوز الطعام أو الكسوة أو العتق.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث. اهـ.